هل حقًا نحن البشر نريد شيئًا من الراحة والهدوء والطمأنينة؟ وما نوع هذه الراحة؟ هل هي نفسية؟ أم روحية؟ أم معنوية؟ أم عقلية؟
وهل نحن بحاجة ماسّة لذلك، أم هي مجرد نية وتمنٍّ أو حلم يراود خيالنا الفكري للوصول إلى هذه المرحلة؟ وهل لدينا القدرة والجرأة للقيام بالتغييرات المطلوبة في هذا الشأن على مستوى قواعد التفكير لدينا؟
وهل نحن مدركون بأن الأمر يتطلب شروطًا معينة للوصول إلى هذه المرحلة؟ العديد من الأسئلة تطرح نفسها في هذا الشأن...
وفي الغالب، نضع دائمًا في مخيّلتنا الفكرية أن الجانب النفسي هو الجزء الرئيسي في كل المعادلة، ومن خلال هذا التحليل وكأننا قمنا بتجزئة جسدية وفصلنا النفس عن باقي المكونات الأخرى.
إذ نجد أن أغلب من يعانون من مشاكل نفسية هم متعبون ومنهكون جسديًا، وغالبًا ما يشتكون من فراغ روحي ومعنوي لدرجة أنهم لا يفقهون ما يجري بداخلهم.
وهذا ناتج عن تفكير خاطئ (حسب اعتقادي)، من خلال استعمال آلية [التجزئة] لمكوناته الأساسية في كتلة المشاعر الباطنية. فجسم الإنسان لا يرضى هذا النوع من التعامل، لكونه كتلة واحدة وجميع مكوناتها متصلة ببعضها البعض بتناغم تام وسلس.
والخطأ الذي أوقعنا أنفسنا فيه أننا نعتقد -بطريقة أو بأخرى- أن بإمكاننا التحايل للحصول على ما نصبو إليه من راحة البال وطمأنينة، ولكن سرعان ما نجد أنفسنا قد عدنا إلى المربع الأول...
وكلما شعرنا بضغوط، وقد يصل بنا الأمر إلى انهيار تام، نضع أنفسنا أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما (حسب اعتقادي)، وهما:
الابتعاد عن ضوضاء المجتمع كلما أتيحت لنا الفرصة، أو الاقتراب أكثر... وهذا ما يعكس الرؤية المتضاربة عند الكثير من البشر، لكونهما خطين متعاكسين، وهذا بحد ذاته نوع من أنواع الاضطراب في التوازن الفكري، والذي يؤدي حتمًا إلى خلل في التركيبة الفكرية، ينتج عنه الأوهام وميولها اللامتناهية، ومن ثم الوقوع حرفيًا في هيمات لعنة التناقضات.
والحل يكمن في الاسترخاء المعنوي، وإعفاء النفس من بعض السلوكيات، والاجتهاد في كيفية التعامل مع المجتمع بأسلوب مرافقة الذات بالذكاء، للحيلولة دون الوقوع في مستنقع الفكر الممنهج والمتمثل في (غريزة القطيع).
الخطوات التي تختصر علينا الحلول قد تختلف من حيث الشكل من شخص لآخر، وهذا إذا تكلمنا عن الآليات المستعملة، ولكن تبقى نفس الرؤية والفكرة والهدف المنشود:
الاستكشاف وحل العقد كأولوية أولى، والبحث فيما يدور بداخلنا حتى نفهم ونعرف ما هي احتياجاتنا، خصوصًا في الجانب المعنوي والروحي، والعمل على هذا الأساس بكل إرادة وعزيمة، من منطلق نفسي أولًا.
وعليه، فإن التفكير في الشأن المعنوي له دلالته الخاصة في نظام التوازن، بكامل ما تعنيه الكلمة من معنى. ويترتب على هذا العمل الدؤوب العديد من الأمور المرتبطة بالسكون الحسي وتناغم الوجدان، بحيث تكون لدينا المقدرة على الاستيعاب، والقدرة على الصمود في مواجهة صعاب الحياة من منطلق خلفية احتواء النفس، وهذا يتطلب نوعًا من الحياد والخيال الواسع عند اتخاذ أي قرار يهم وجودنا.
الجانب المعنوي له شروطه الخاصة وتتمثل في الآتي:
إعادة النظر في أسلوب التفكير، وتوظيف الدروس والخبرات المكتسبة بكل جوانبها، سواء كانت سلبية أو إيجابية.
التخلص من عقدة الضعف والنقص، والتحرر من قيود التبعية للآخرين.
الالتزام بمصداقية التعامل، مع إثبات اليقين بالحياد عند كل معاملة، بعيدًا عن المجاملات الزائفة.
الاستماع إلى الذات، ووضعها ضمن أولى اهتماماتنا، لتفادي مضاعفات الضمير في أوقات لا أحد يشفع لك فيها.
الاستغناء غير المشروط عن كل ما هو وهم، وعن الطمع المفرط الذي يقود الإنسان إلى مرحلة فقدان الرحمة بنفسه، والعيش تحت رحمة الفكر النقلي والمقلد لكل شيء... بما فيها المشاعر الزائفة.
لأن السعادة تكمن في الحرية، والحرية هي صناعة عقل سوي وفكر ووعي راقٍ. فلنجعل من وجودنا متعة تناغم تناسب وجداننا، لتسعد أرواحنا، لا أن يكون عقابًا لنا مدى الحياة.
وافر الاحترام
حمدان أحمد.. الجزائر
0 Commentaires