دعنا نتفق .. بقلم الشاعر مصطفى محمد كبار








دعنا نتفق يا أيها العمر
أنا أتخيل الأشياء التي أشتهيها
و أنت تفقدها
فأعود من الخيبة بصمت الكلام
و أنتظرك
و أنت لا تعود إلي
أنت تحررني من مزاياك الجراحة
في الوهن
و أنا أقتل فيك شبح آخري
قبل النوم بقليل
كي يكون الحلم بحافة المنام أقل
إنكساراً و أقل وجعاً
دعنا لنمضي كل واحدٍ على حدةٍ
بطريقهُ المختلف عن الثاني
دعنا نرسم خطٌ موازي مع السقوط
بفكرة الوداع
فلا أريد أن أستمر معك حتى النهاية
بخسارتي و أدمى
فإن طريقك برحلتي متعبٍ و شاق و
قد أهلكَ جسدي
فكان يمكن أن أكون طائراً في سماء
الحدس
و أشرقُ بأجنحتي كطائر الفينيق من
البلوريات التي تتلألأ
بألف كوكب يشع بالنور فتخجل النجوم
البعيدة من شرودها
كان يمكن أن أكون حراً بشكل الأحلام
التي تشدني إليها لأحيا
لولا الفوارق بين زمني و زمنك المغاير
عن المكان
لكنك قد كسرتني يا أيها العمر و أذلتني
و حطمت كل جدران لغتي
فإعتق زمني المخادع و شغب المكان
الذي تلاشى بنا معاً
لقد نسيتني ورائك ولم أحيا من بعدك
و لو كشبه حي
و أنا نسيتك كإغنية المسافر المتوفي
الذي يدندن بوداعه بالأنين
فقد تركتُ فيك كل خصائص الوجع
و مذكرة التفاهم
و أنت قد تركتَ فيني ذكرى مقتولٍ
نسي نعشه الثقيل
فإتركني ورائك مثل أي شيء لا قيمة
له
كورقة الخريف اليابسة التي تتدحرج
أمام الريح
أو كلقاء عابرٍ في محطة القطار يسأل
كم بقي
من الوقت على قدوم القطار ثم يمضي
بحاله غريباً
حاول أن تنجو من فاجعتي و من كارثتي
المقلدة
و إنسى كل أشكال حياتي معك يا
أيها الشريد
و حررني من الضجر الذي يعتليك
بالحزن و يزيد
فلا أنت بقربي فأرتاح قليلاً بظلك
من همومي
و لا أنا أصبحت قادراً على أن أكون
لك جسراً
لتعبر مع السنوات المتكالبة بحكاية 
التحمل على الإنقلابات
فكيف تجرني ورائك كالشاة الجريح
و أنا ربك في الإنكسار منذ
الأزل
و دون أن تستوعب هزيمتي بموتك 
البعيد يا أيها الكاسر 
المكسور
كيف تأخذني معك على دورب الشقاء
و لا تستكن من الخلل العائد من
فجر ظلامك 
و روحي مازالت تعن باكية هناك بصور 
الذكريات
فأنت علتي و أنا غيابك الغائب القديم 
في النسيان 
و قد إكتملت كل لوحات الأوجاع فيك 
فأدمنتَك محتضرٌ بالموت
دون أن تكون معي برحلة السنين 
التي أوشكت على الإنتهاء 
فيا أيها القريب البعيد من تكون
لتشلني ببعد الحياة 
فأنا لستُ مجبرٌ بخطأ التكوين لأكون 
أسيرك الأبدي
فإمضي لوحدك إن أردت من الهلاك 
إلى الهلاك
إمضي بمهادمي لأخر النفق البعيد 
البعيد 
و إنثر في المدى كل كواكبي و نجومي
كي تستريح
و أجهش بصورة الفاتحة لألف مرةٍ
على روحي المقتولة 
إبتعد عن زمني المر بلعنة الحياة و
عن مكاني
أما أنا فسأبقى أرتب بخيبتي وقت المساء 
كي لا أسكن بالملل في الوحدة
القاتلة
فالقد إكتفيت من كل أسباب الغياب 
و الموت 
فأنت كنت تابوتي الذي حمل الغياب 
بجسدي
و أنا كنت نعشك القديم الثقيل أدربُ قلبي
على الوجع الكبير 
فأنزلني من كل أسباب موتك هنا
لأنجو بنعشي هناك 
من ذاكرتك المتهالكة و من حنين سمائك
و من بلائك الطويل 
فدعني ألملم ما تبقى من ذاتي المحطم 
و من شتاتي
فأني لم أعد أستطيع أن أتحمل وجعك 
حتى القيامة 
فلي طاقةٌ محددة كطاقة الفراشة 
البريئة 
فلا أرصد للبعيد ألوان دنياك لأرقص
معك عند أعتاب الصباح 
فدعني و شأني في هذا الزحام المدمج 
بالحكايا المؤلمة
فكن ناسع البياض بدفن كل ماضيك 
هناك
كن يا أيها الغريب مثل الثلج بموسم 
التساقط
كن خفيفاً عفيفاً و شريفاً في الروح 
و لا تعاند من حملوك بالهزيمة 
بألف خيبة
فالحكمة تقول إذا أرهقتك الدروب
توقف عند أبواب العناوين
و راجع كل أشكال الأشياء التي خسرتها
و أعد التفكير جيداً في حلمك الذي
إنكسر و فتش عن الآخر
فمن أنت يا أيها العمر المشلول لتسرقني 
من الوقت 
فمازلت أبحث في مخيلة الوجع
عن بقاياي 
كي أكتب قصيدتي التي تكشف للآلهة 
عن شكل السقوط 
فمن يكتب حكايته بأرض القصيدة 
بالوحي الحزين
وحده سيشرق بوجع الذكريات و وحده 
سيملك المعنى تماماً 
فأشهد بأني حرٌ و بارعٌ حينما أحضن
روحي و أبكي
فدعنا نتفق يا أيها العمر البائس على 
كل التفاصيل 
على حصتك من ضجري و حصتي
منك في المسافة بيني و
بينك 
فخذ من جسدي حصتك و كل ما تريد 
و إتبع خطوات السفر البعيد 
فدعني أخرج من عالمك الخاص الحزين 
حررني من ذاتك المهدوم
فلي عملٌ ضروري في لغة الحوار مع
العدم
و بالترتيب الأبجدية هاهنا لأعطي للأشياء 
شكلها الصحيح
سافر 
هاجر
غامر بما تبقى لديك من الوقت إن
إستطعت
إركض مع الريح حافياً إن شئت
أو إشرب فنجاناً من القهوة بخلوتك
مع نفسك
إمتطي حصانك الأزرق للرحيل و 
أصعد سماء الغياب و كن بارعاً بيوم
رحيلك
كي أرتاح من حملك الثقيل و أرشف
بغيابك ألحان الصدى 
فلا تتمسك بفراغ الأشياء بداخلي
فالفراغ هو فراغ الروح من 
الإنتماء 
قد يكون هناك بيني و بينك شبهٌ
يوحدنا
لكن هناك وجعٌ كبير يفرقنا فوجعك يا
صاحبي قاتل بجسدي
أما وجعي فهو معجزة الإله بالحاضر 
على طريق الموت 
فمكانك يا أيها العمر هو الفراغ بكل
شيء
و انا مكاني هو فراغك بكل شيء 
إذاً 
فأنا و أنت كتوأمين في الضياع 
يفترقان في الوجع و يلتقيان بحنين 
الذكريات
دعني أتخيل الأشياء لأسير كما يجب
أن أسير 
فالخيال وحده يسرقنا من الموت 
بأعجوبة التحرر
فيا عاقد الحاجبين فأنك قد قتلتني 
مرتين
مرةً عندما نطقت بأسمي غلطاً بالهجاء
حرفاً حرفاً 
و مرةً عندما وقعنا خائبين بنفس الحفرة
بالجحيم اللاهب 
سأكتبُ وجعاً ما بطريقتي في الإعجاز
و سأحلم بالنعومة الكلام
كي لا أبكي لخيبتي
دعني يا أيها العمر أركضُ في الصباح 
المشعِ بالندى حافياً 
كي أسرق من بقايا الليل ذاكرتي
و لن أنتظر تاريخ موتي لأعطي
للأشياء شكلها الحر
فأنا وحدي أجيد اللغة بقصيدتي الخاصة 
و لي جسدين مختلفين بالوحي
فلا يبصرني التوحد كلما دونت يا
وجعي
سأكتب قصيدة بلا كلمات نصٌ طويل 
من الهواء بلا الشكل 
دعنا نتفق يا أيها العمر أنا و أنت
غداً بيوم الوداع 
لأستيقظ في الصباح من النوم كالعادة
و أذهب مثل الأخرين على العمل بشعور
القوي و أنجز ما علي فعله
و ربما أدخل قليلاً في الجوال لأطالع بعضاً 
من كتابات الأصدقاء في الفيس بوك 
و أتقصد البحث عن الحقيقة هناك 
و لن أعطي رأي بنوع الكلمات و لا 
بشكل الترتيب 
و لن أقرأ أسم الشاعر الذي كتب النص 
كي لا أصيب بالإحباط من
التشبيه
فما شأني بأسم كاتبها يا أيها العمر 
و بصورة القصيدة و بالوحي 
الحر 
كي أقول للحالمين قفوا عند جدار
اللغة و أشكروني
فعلي فقط أن أكتشف بما يفكرون
الأصدقاء و أمضي بهمس
و هل هناك من يقرأ من كتاباتي التي
تشبه الخرافة
دعني يا آخري أفعل أبسط الأمور قبل
موتي
كي أدرك أين أنا و من أكون و بأي زمان 
مازلت أعيش و لا أعيش
فأنا أريد أن أنجو من اللقاء خالياً تماماً 
من الحزن و من الخيبة 
فلا أحد سيقول لي صباح الخير غداً 
بيوم الرحيل 
لا أحد سيقدم لي في ذاك الصباح 
وردةً حمراء فأشكره
سأمشي بظل الجدران بما إقتبست 
من اللحظات بوجه الصباح 
و سأنسى شغبي و تطفلي هناك ببداية 
نهاري الأخير 
الآن الساعة الثانية عشر ليلاً و أنا أكتب 
ما يمليني الضجر
تقريباً قد كتبت عن كل شيء بالقصيدة
ضجري
وحدتي
حزني
ألمي
خسارتي
كآبتي
فاجعتي و مأساتي
مرارتي و إنشطاري مع الكلمات بغضب
البقاء
و وجعي في الخذلان بكل شيء 
و عبوديتي للسارق الروح على طريقة
المنتحرين
فأنا قد جربت كل أنواع الجنون مع
القصيدة الطويلة 
و لكني دوماً أنسى شيئاً واحداً أن أدونه 
بكل خاتمة
كعنوان للنص الهابط الريخص
فدائماً أنسى أن أرتب أسمي بين 
أسماء الراحلين
و قد فشلت مراراً و تكراراً أن أكون 
شاعراً  
و أجيد لغة الضاد و لعبة الملاكان في 
الشعر الحديث 
فهناك ما بين الصمت و الكلام 
يكمن الحقيقة كلها
فالنتفق ياعمري الخاسر على ما بقي 
لنا من الوقت 
من قصص المتاهات و حكايات الألم 
التي لا يرددها إلا المحبطين 
فأنت تسير بخيبتي بسراب التكامل
هناك
و أنا أبقى في الغياب أرتب هنا لك 
جنازة المفقودين 
بكل قصيدة أكتبها من هزيمتي
بالأبدية .........

ابن حنيفة 
مصطفى محمد كبار 
حلب عفرين سوريا






Enregistrer un commentaire

0 Commentaires